المرأة و سر التناول

ما هو السبب الحقيقى وراء عدم قدرة النساء على الإشتراك فى سر التناول؟

رؤية كتابية, تاريخية, آبائية و لاهوتية

“مَا طَهَّرَهُ الله لَا تُدَنِّسْهُ أَنْتَ!” (أع 15:10)

*For English translation click here*

*This blog was also published in ‘Women and Communion’ by St. Macarius Monastery, among other articles. For free access see: https://drive.google.com/file/d/0B1l-Zo1ib-71ZjRYLU9nVDN0cmc/view

بقلم: دونا رزق

ترجمة: كيرلس نشأت غطاس

نعم, لقد ذهبت إلى هناك!

أدعونى بالمتمردة أو المتعصبة لحقوق النساء –أياً يكن- أحب أن أعتبر نفسى مفكرة و باحثة و أتطلع إلى أن أكون “لاهوتية” أيضاً.

أعتقد أن هذا الموضوع متسع و كبير حيث إنه لا يتعامل فقط مع لاهوتية الجسد بل و مع فهمنا للجنسانية, و استعادة و تجديد الله للبشرية فى المسيح, و مع فهمنا للناموس, و مع فهمنا أن المسيح هو ناموسنا الجديد و إنه قدّس كل الأشياء فيه, و نظرتنا للمساواة الجنسية, و نظرتنا للنقاوة و القداسة و معنى أن تشترك فى سر الإفخارستيا.

لا أعتقد إنى أستطيع أن أغطى كل هذه المواضيع فى مقال واحد و لكنى سأحاول أن أغطى بعضاً منهم بإختصار آملة ً أن يكون ذلك كافى لزحزحة بعض مفاهيمنا اللاهوتية المغلوطة و أن نفهم لماذا نفعل ما نفعل و كيف تأصلت فينا بعض الممارسات.

—-

لا أتذكر كم من مرة سمعت السؤال الذى يقول: “لماذا لا تستطيع المرأة الإشتراك فى سر الإفخارستيا أثناء دورتها الشهرية؟” و للأسف فى كل مرة يُسأل فيها هذا السؤال لا أسمع أو اتلقى إجابة لاهوتية واضحة ناهيك عن إجابة منطقية فى الأساس!

و لقد صادف أن واحدة من هذه الإجابات كانت من راهبة من مصر.حيث إنها تعتقد أن المرأة أثناء دورتها الشهرية –بطريقة ما أو بأخرى- لا تكن صائمة. أنا لا أعرف كيف وصلت لمثل هذا التفسير و لكنى لم أقتنع.

إجابة أخرى (و أعتقد أن معظمنا سمع هذه الإجابة) تنسب ذلك إلى حقيقة أن أى شخص ينزف فهو أو هى فى خطر أن يفقد السر المقدس من خلال نزيفه/ها و لذلك هذه الحقيقة أو هذا الحذر ينطبق على أى شخص يعانى من نزيف من الأنف أو من جرح و هو ممنوع من سر الإفخارستيا خشية أن دم المسيح المذبوح يُنزف خارجاً من جسده. يالها من نظرة ضيقة الأفق!

فلنرى ماذا يقول الكتاب.

مراجع كتابية

الشريعة فى اللاويين (الجزء بالكامل فى الإصحاح 19:15-33)

«وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ، وَكَانَ سَيْلُهَا دَمًا فِي لَحْمِهَا، فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 20وَكُلُّ مَا تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ فِي طَمْثِهَا يَكُونُ نَجِسًا، وَكُلُّ مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا … وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ يَسِيلُ سَيْلُ دَمِهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ طَمْثِهَا، أَوْ إِذَا سَالَ بَعْدَ طَمْثِهَا، فَتَكُونُ كُلَّ أَيَّامِ سَيَلاَنِ نَجَاسَتِهَا كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِهَا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ»

فى لاويين 12, ذُكرت تعاليم مماثلة عن نجاسة المرأة بعد أن تلد أطفالها و عن كونها نجسة.

عندما جاء المسيح, جاء بتعاليم جوهرية أثارت غضب الفريسيين و رؤساء الكهنة و شيوخهم معتقدين إنهم يعيشون وفقاً للشريعة و تعاليمها و لقد كانوا هم من صلبوه معتقدين بذلك إنهم ينفذون الشريعة.

أحد هذه التعاليم الجوهرية كانت تتعلق بالنظرة للجسد و النقاوة الطقسية. فى العهد القديم, كان يُنظر للجسد على إنه نجس بسبب العلاقات الجنسية و إفرازات الجسم (لدى كل من الرجل و المرأة) و لقد كان يتطلب الأمر تقديم ذبيحة أو أضحية حتى يستطيع الرجل أو المرأة أن يتطهروا ثانيةً و أن يتم قبولهم ليدخلوا إلى خيمة الرب (ألا يبدو ذلك مألوفاً للنساء الأرثوذكسيات اليوم؟)

لقد جاء المسيح معلماً بأن الإنسان (رجل أو إمرأة) يتطهر و يتنجس بما فى نفسه و دواخله و ليس بإلتزامه بتفسيرات فسيفسائية متداخلة للطهارة الطقسية (الإقتباس التالى يشير إلى ما حدث عندما قال الفريسيون إنه يجب على التلاميذ أن يغسلوا أيديهم قبل أن يأكلوا خبزاً) فى متى 11:15-20

” 11لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ». 12حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَقَالُوا لَهُ: «أَتَعْلَمُ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمَّا سَمِعُوا الْقَوْلَ نَفَرُوا؟» 13فَأَجَابَ وَقَالَ:«كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي السَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ. 14اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ». 15فَأَّجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «فَسِّرْ لَنَا هذَا الْمَثَلَ». 16فَقَالَ يَسُوعُ:«هَلْ أَنْتُمْ أَيْضًا حَتَّى الآنَ غَيْرُ فَاهِمِينَ؟ 17أَلاَ تَفْهَمُونَ بَعْدُ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يَمْضِي إِلَى الْجَوْفِ وَيَنْدَفِعُ إِلَى الْمَخْرَجِ؟ 18وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ فَمِنَ الْقَلْب يَصْدُرُ، وَذَاكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، 19لأَنْ مِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ. 20هذِهِ هِيَ الَّتِي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. وَأَمَّا الأَ كْلُ بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ فَلاَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ».”

إذاً ضمير الإنسان هو ما يجعله نجس أو طاهر ليس حالة جسده أو إفرازاته. المسيح يحذر و يدين الفريسيين كونهم مثل “قُبُورًا مُبَيَّضَةً” و التى “تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ … وَلكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِل مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْمًا” (متى 27:23-28)

أُحبُ المسيح لأنه تحدى معلمى الشريعة العظماء معطياً إياهم مثالاً لفهم أعمق للناموس محاولاً قيادتهم لنفسه. لقد لَمس المسيح و تم لمسه بواسطة العديدين ممن يعتبروا أنجاساً, بُرْصٌ و زناة و المرأة نازفة الدم (والتى طبقاً لشريعة العهد القديم تعتبر نجسة لأنها تنزف) و تحدى المسيح تفسيرهم للناموس:

المرأة نازفة الدم لمدة 12 عام (والتى ثانيةً يُنظر إليها على إنها نجسة و من غير المقبول أن تكون فى المعبد طبقاً لشريعة اللاويين):

“20وَإِذَا امْرَأَةٌ نَازِفَةُ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً قَدْ جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَمَسَّتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ، 21لأَنَّهَا قَالَتْ فِي نَفْسِهَا:«إِنْ مَسَسْتُ ثَوْبَهُ فَقَطْ شُفِيتُ». 22فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَأَبْصَرَهَا، فَقَالَ:«ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ». فَشُفِيَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.” (متى 20:9-22)

“1وَلَمَّا نَزَلَ مِنَ الْجَبَلِ تَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. 2وَإِذَا أَبْرَصُ قَدْ جَاءَ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً:«يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي». 3فَمَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلاً:«أُرِيدُ، فَاطْهُرْ!». وَلِلْوَقْتِ طَهُرَ بَرَصُهُ.” (متى1:8-3) (أيضاً طبقاً لشريعة اللاويين من يلمس أبرص يعتبر نجس ولكن المسيح هو الشريعة و هو يطهر كل شئ)

و المرأة التى أُمسكت فى ذات الفعل:

“3وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِنًا. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسْطِ 4قَالُوا لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، 5وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» 6قَالُوا هذَا لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ. 7وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ:«مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» 8ثُمَّ انْحَنَى أَيْضًا إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ. 9وَأَمَّا هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ، خَرَجُوا وَاحِدًا فَوَاحِدًا، مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسْطِ. 10فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَدًا سِوَى الْمَرْأَةِ، قَالَ لَهَا:«يَاامْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» 11فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ:«وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا».” (يو 3:8-11)

أُحبُ هذا الحدث بعينه لأن المسيح الذى هو الوحيد بدون خطية و لم يرمى أبداً أول حجر. المسيح –ثانيةً- كان يتحدى الشريعة القديمة (شريعة الإدانة) لكى يمنحهم فهم عما كانت الشريعة من بدايتها, أن تحب الرب و أن تحب قريبك كنفسك:

“35وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ نَامُوسِيٌّ، لِيُجَرِّبَهُ قِائِلاً: 36«يَا مُعَلِّمُ، أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟» 37فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. 38هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. 39وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. 40بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ».” (متى 35:22-40)

الناموس كان مؤدبنا –دليلنا- للمسيح (غلا 24:3) و لكننا لم نعد نعيش بالناموس “18فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضَعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا 19إِذِ النَّامُوسُ لَمْ يُكَمِّلْ شَيْئًا.” (عب 18:7)

ألم يخبر المسيح القديس بطرس فى الرؤية ألا يدعو شيئا “دنساً أو نجساً” ما طهره الله؟ (أع 9:10-16) لأن المسيح قد أكمل الناموس مُقدساً كل الخليقة:

“28فَقَالَ لَهُمْ:«أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ كَيْفَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى رَجُل يَهُودِيٍّ أَنْ يَلْتَصِقَ بِأَحَدٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ. وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَرَانِي اللهُ أَنْ لاَ أَقُولَ عَنْ إِنْسَانٍ مَا إِنَّهُ دَنِسٌ أَوْ نَجِسٌ.” (أع 28:10)

لقد خرجت عن الموضوع قليلاً و لكن بالرجوع إلى سياق الموضوع الأساسى, يجب أن نفهم معنى هذه الوصية و كيفية تطبيقها فى عبادتنا للمسيح و فهمنا للحقيقة الإلهية.

الآن, لقد جعل المسيح كل الأشياء طاهرة فيه. لقد طهر البُرْصٌ, و أقام الموتى, و جلس مع العشاريين “النجسين”, و سمح للزانيات بأن يلمسوا و يغسلوا رجليه و لكن كيف كانت نظرته لهولاء من التصقوا بالناموس و حفظوه عن ظهر قلب؟ لقد أدانهم مراراً و تكراراً محاولاً حثهم على فهم حق أعمق, الحق الذى فقط يتواجد فيه.

و الآن, ماذا عن الجسم و ما هى نظرة المسيحيين للنقاوة الطقسية و الطهارة؟

كما قلت سابقاً لقد جعل المسيح كل الأشياء طاهرة و لكن كيف؟ بقبوله الخليقة بنفسه و تقديسها و لأنه قدوس و بطبيعته يقدس الأشياء بمجرد أن الله “صار جسداً و حل بيننا” (يو 14:1) كل الأجساد صارت مقدسة فيه, على الأقل هولاء من يلبسون المسيح, فى المعمودية.

هذا هو السبب أن المسيح قَبِل الروح القدس فى معموديته و السؤال الذى يطرح نفسه كثيراً “لماذا كان يجب على المسيح أن يتعمد؟” ذلك كان ضرورى ليستعيد البشرية فى شراكة و إتحاد مع الإله و حتى يقبل الروح للبشرية جمعاء, الروح التى تركت الإنسان بعدما ازدادت الخطية جداً “3فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ.” (تك 3:6)

و يعلق البابا كيرلس الأول (عمود الدين) على ذلك بقوله:

“هو أيضاً قَبِل الروح من أجلنا, حتى يقدس طبيعتنا بأكملها” (تفسير إنجيل يوحنا, الجزء الثانى, الفصل الأول)

ففى معموديتنا, يتقدس جسدنا بأكمله بأن نخلع إنساننا العتيق (كما يقول بولس الرسول) و بأن نلبس إنساننا الجديد, الخليقة الجديدة فى المسيح. فنحن نصلب الجسد العتيق –الخاطئ- و نلبس الجسد الجديد المقدس الذى جعله لنا المسيح بتجسده و معموديته.

و بالتالى فمن غير المفاجئ إننا نغطس بكامل جسدنا فى جرن المعمودية, فنحن حرفياً نولد من جديد, جسد جديد و قدوس مقدس بقبولنا للمسيح و الروح القدس.

لماذا كل التشديد و التوكيد على الجسد؟ الرغبة الجسدية هى ما جعلت الإنسان يسقط أولاً بعيداً عن الله و يخطئ و نتيجةً لذلك أفسده و أتلفه حتى جاء المسيح ليعيده لطبيعته و حالته الكاملة فيه.

فإذا كنا قد أصبحنا أطهاراً و قدوسين و تقدسنا فى معموديتنا, فلماذا إذا نصبح محرومين, بسبب إفرازاتنا الجسدية الطبيعية, من الإشتراك فى جسد المسيح, ذلك الجسد نفسه الذى طهر جنس البشر جميعه و استعاده؟

هل جسدى المُعطى لى من الله, نفس الجسد الذى تعمد فى المسيح و تقدس بالروح القدس, يدنس الله عندما اشترك فى جسده فى سر الإفخارستيا؟ هل أنا غير طاهرة و نجسة بسبب الإيقاع الفسيولوجى الطبيعى لجسمى؟ إذا كان ذلك صحيحاً, فلقد أبطلت قوة معموديتى و قوة المسيح المُطهرة لجسدى فى سر تجسده الممجد.

عندما يتكلم القديس بولس الرسول عن الإشتراك فى جسد المسيح بدون استحقاق, فهو يحذر أهل كورنثوس و يطالبهم بأن “يمتحنوا” أنفسهم:

“27إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ. 28وَلكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ. 29لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاق يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ. 30مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ. 31لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا” (1كو 27:11-31)

القديس بولس لا يذكر شئ عن نجاسة طقسية بل يُركز على ضمير الإنسان و كيف نتقرب إلى الإفخارستيا, بأن نمتحن أنفسنا (الكلمة اليونانية التى هى بمعنى “يمتحن” تشير إلى اختبار النفس و هى الفعل ذاته الذى يستعمل للتعبير عن “اختبار” نقاوة المعادن, أى إذا ما كانت أصيلة أم لا) و عليه, فيجب على من يشترك فى جسد المسيح –الإفخارستيا- أن يمتحن أو يختبر نفسه و ليس أن يراقب حالة جسده الطبيعية إذا ما كانت عائق لأن يشترك فى جسد المسيح الذى صنع جسده و جعله طاهراً و كاملاً.

إذا كنا مازلنا نظن بأن النساء نجسات بسبب إفرازاتهن, فنحن مازلنا نفكر بحسب الناموس القديم و مازلنا نعيش تحت دينونته. كذلك, قد نكون مازلنا نمارس الختان و ذبائح الكفارة لأننا نتعبد كما لو كان المسيح لم يُكمل شيئاً وبالتالى لا يوجد فداء.

فى خطابه للأسقف آمون (حوالى 354 م.), يتحدث القديس أثناسيوس الرسولى عما هو نقى و طاهر و يبدأ الخطاب هكذا:

“كل شئ خلقه الله حسن و طاهر, لأن كلمة الله لم يخلق شيئاً عديم الفائدة أو نجساً. لأنه بحسب الرسول بولس “نحن رائحة المسيح الذكية لله فى الذين يخلصون” (2كو 15:2) و لكن سهام الشيطان متغيرة و خبيثة و هو مستعد دائماً أن يزعج ذوى العقول البسيطة, و يعوِّق نسك الإخوة, إذ ينثر بينهم أفكار النجاسة و الدنس, فتعالوا إذن, لنمح بكلمات قليلة خطأ الشرير بنعمة مخلصنا و لنجعل أفكار البسطاء فى راحة. لأن “15كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ” (تيطس 15:1), و لكن ضمير النجسين و كل ما يختص بهم فاسد.

و يستطرد:

قُل لى, أيها الصديق المحبوب و المبجَّل, أية خطية أو نجاسة توجد فى إفراز طبيعى (من جسم الإنسان), و كأن إفرازات الأنف أو اللعاب من الفم أمور تستحق اللوم؟! و يمكن أن نضيف أيضاً إفرازات البطن التى هى ضرورة طبيعية فى حياة أى كائن حى. و بالإضافة إلى ذلك, فإن كنا نعتقد حسب الكتاب المقدس أن الإنسان هو من عمل يدى الله, فكيف يخرج أى دنس من قدرة إلهية طاهرة؟ و إن كنا نحن ذرية الله, حسب قول سفر أعمال الرسل (أع 29:17)؛ فليس فينا شيئاً نجس. لأننا نصير نجسين فقط حينما نرتكب خطية حمقاء. و لكن حين تخرج إفرازات جسدية –بدون تدخل من الإرادة- حينئذ نعتبرها, مثل سائر الأشياء, ضرورات طبيعية. و لكن حيث إن الذين رغبتهم الوحيدة هى مناقضة كل ما هو مقرر عن يقين, أو بالحرى ما خلقه الله, حيث إنهم يفسدون قول الإنجيل: “ليس ما يدخل الفم يُنجِّس الإنسان, بل ما يخرج من الفم” (مت 11:15)…

(لقراءة الخطاب كاملاً, شاهد: http://newadvent.org/fathers/2806048.htm )

أظن أن خطاب القديس أثناسيوس يتحدث عن نفسه.

إذاً متى أُدخلت هذه الممارسة إلى الكنيسة إذا كان يجب على الإنسان ألا يتبع الناموس القديم؟

إن أقدم سبب مسيحى يمنع النساء من دخول الكنيسة, ناهيك عن الإشتراك فى سر الإفخارستيا, هو القانون الثانى من قوانين الكنيسة للبابا ديونيسيوس الإسكندرى البابا الرابع عشر و الذى كُتب فى سنة 262 م.:

“بخصوص النساء الحائضات, إذا ما كان يجب أن يدخلوا إلى بيت الرب فى هذه الحالة, أعتقد إنه حتى من غير الضرورى أن يُسأل هذا السؤال. إذ إنى لا أعتقد, و لا هم أنفسهم, كونهم مؤمنات و تقيات, إنهن يجرؤن و هم فى هذه الحالة أن يتقربن من المائدة المقدسة أو يتلامسن مع جسد الرب و دمه. إن المرأة النازفة لمدة إثنى عشر سنة لم تتلامس حقاً مع المسيح نفسه, و لكن فقط مع هدب ثوبه, ليتم شفائها. ليس هناك مانع من أن يصلى الشخص بغض النظر عن حاله أو إذا كان الشخص يذكر الرب أياً كان الوقت أو أياً كانت حالته و كان يسعى إلى العون؛ و لكن إن لم يكن الشخص فى كامل الطهارة فى روحه و فى جسده, يجب أن يمنع من الإقتراب لقدس الأقداس”

(مقتبسة من مقال “ما هى النقاوة و النجاسة الطقسية و لماذا؟” لفاسّا لارين (و التى هى من الكنيسة الروسية الأرثوذكسية), مقال فى مجلة القديس فلاديمير الربع سنوية 2008, 52-53, ص 275-292. رابط المقال http://www.descentoftheholyspirit.org/articles/article9.html

هذا المقتطف اقتبسته لارين أصلاً من كتاب ت.ل.فيلتو خطابات و بقايا من ديونيسيوس السكندرى, كامبريدج, 1904, ص102-3

و هذا رابط للقانون الكنسى المَعنى بالكلام http://www.tertullian.org/fathers2/NPNF2-14/Npnf2-14-179.htm#P11145_2141177

و فى صورة سؤال و جواب, القديس تيموثاوس الإسكندرى (فى القرن الرابع الميلادى), البابا الرابع و العشرون للإسكندرية, سُئل عما إذا كانت النساء تستطيع التناول أثناء طمثهن الشهرى (فيما يعرف بالقانون الكنسى السابع لتيموثاوس الإسكندرى)

“هل يمكن للمرأة الحائضة أن تتناول؟ الإجابة: ليس قبل أن تصبح طاهرة”

(يمكنك رؤية القوانين من خلال هذا الرابط مع ملاحظة أن الترجمة الإنجليزية تختلف قليلاً عن الترجمة اليونانية الأصلية: http://www.holytrinitymission.org/books/english/canons_fathers_rudder.htm#_Toc78634060)

إذن يتم النظر للمرأة بشكل صارخ على إنها نجسة و غير مستحقة للإشتراك فى قدس الأقداس (الإفخارستيا) بسبب حالتها الجسمانية.

لارين تجد إنه من غير المفاجئ أن هذه “المعتقدات” عن طهارة جسد المرأة تأتى من مصر لأنه فى بداية المسيحية فى مصر كان هناك لا زال تواجد قوى لليهود حيثما “تعايشت روحانية يهودية فى سلام مع لاهوتيات مسيحية ناشئة” (ص 282 من المقال المشار إليه سابقاً)

و لكى نخطو خطوة أبعد, ليس فقط فيما يختص بطهارة النساء أثناء طمثهن, و لكن أيضاً يُنظر للمرأة على كونها نجسة أثناء الممارسة الجنسية (كما ورد فى اللاويين إصحاح 18). هذه النظرة فيما بعد فُسرت و نُقلت إلى الزواج و إذا كانت الممارسات الجنسية لم تكن بهدف التكاثر فهى تعتبر دناسة (وهى وجهة نظر موجودة لدى كثير من المسيحيين اليوم –أى فجور و معتقدات فاسدة- و هو ما يمكن التحدث عنه فى مقال منفرد). هذه الأفكار جاءت من لاهوتيين إسكندريين أوائل, أوريجانوس و إكليمنضس, و الذين كانوا أنفسهم متأثرين بالفلسفات الرواقية و الأفلاطونية (بسبب تعليمهم فى ذلك الوقت) حيث أن هذه التعاليم الفلسفية تُحقر من الجسد لأنه مادى, و أى شئ مادى كان ينظر إليه بنظرة دونية حتى إن بعض الفلسفات كانت تعتبره شرّ. لذلك ببساطة, يعتقد البعض إنه إذا استسلم للرغبات الجسدية فإنه يقع فى الخطية أو يُخضع حياته الروحانية للرغبات. الرغبات فى حد ذاتها ليست فجور أو إثم, الموضوع يتعلق بكيفية إستخدامنا لها, هذا هو ما يجعلها طاهرة أو نجسة, مقدسة أو آثمة. إذا أكلت فأنا لم أقع فى الخطية, و لكن إذا كنت أسيئ إلى جسدى بأن آكل أكثر من اللازم إلى درجة النهم فأنا أقع فى الخطية. الأكل فى حد ذاته ليس خطية. الطمث ليس خطية و لا يجعل المرأة نجسة فلا تستطيع أن تشترك فى سر الإفخارستيا أو العبادة. نحن نحتاج إلى أن نعيد تقييم كيفية خلق الإنسان و كيف يستعمل الإنسان نفسه لمجد الله.

إذا كان الجسد أو أى شئ مادى هو شرير و حقير فكيف فى ذلك نفهمه ذلك الذى خلق كل شئ فى صلاح؟ ألا يعكس ذلك عيباً فى الخالق إذا لم يخلق الجسد كامل و صالح؟ العديد من مازال متأثراً بهذه الفلسفات إلى اليوم. الجسد شرير لأن له رغبات مادية. القديس بولس الرسول يقول الجسد هو ضد الروح لذلك يجب علينا أن نجاهد و نُخضع الجسد للروح. نعم, نُخضع الجسد للروح القدس و لكن الجسد فى حد ذاته ليس شرير.

إذا نستطيع أن نقول أن كل خليقة الله جيدة و منذ البداية و لكن الخليقة فسدت بسبب الخطية. نعم, و لكن كما قلنا من قبل الله أصبح جزء من خليقته كى يقدسها, و يستعيدها له, و يجعلها كاملة حالة الكمال التى خلقها عليها منذ البداية فى نقاء, و فى قداسة, و فى صلاح. الجسد ليس دنساً بعد لأننا لبسنا المسيح, الخطيئة فقط هى ما تدنس الجسد, فقط إذا خلعنا المسيح و لبسنا الخطيئة.

هذه التعاليم الفلسفية القريبة من الأفكار التوحدية و الرواقية و الأفلاطونية تؤثر بشدة فى معتقدات و لاهوتيات الكثير من الناس اليوم. على سبيل المثال, الكثير من الناس يرفعون من مقام التوحد فى مقابل الزواج. لماذا؟ هل بسبب إنهم يعيشون حياة صلاة و يمارسون ضبطاً متشدداً للنفس ويمتنعون عن الممارسات الجنسية؟ حسناً, الجميع مدعوون لأن يعيشوا حياة الصلاة (1تس 17:5) و أن يضبطوا انفسهم. (1كو 9) سواءً كنت راهب أو متزوج أو أعزب أو طفل فكلنا مدعوون لحياة مقدسة لكن إذا كان أحدهم مدعو للزواج و ممارسة العلاقات من خلال هذا الزواج فذلك ليس بخطية و لا ينبغى أن يُنظر إليهم على إنهم أضعف أو أقل روحانية.

عندما تحدث بولس الرسول عن الزواج و التبتل قال:

” لكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ مَوْهِبَتُهُ الْخَاصَّةُ مِنَ اللهِ…” (1كو 7:7)

و بعدها يقول:

“5أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَجُولَ بِأُخْتٍ زَوْجَةً كَبَاقِي الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟” (1كو 5:9)

و عندما سأل التلاميذ عن الزواج و الطلاق طبقاً لشريعة موسى, قال السيد المسيح:

” 7قَالُوا لَهُ:«فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟» 8قَالَ لَهُمْ: «إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا. 9وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي». 10قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «إِنْ كَانَ هكَذَا أَمْرُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ!» 11فَقَالَ لَهُمْ:«لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم، 12لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ».”

و لذلك, هؤلاء من تمت دعوتهم لحياة الوحدة ليسوا بأفضل ممن دُعوا إلى الزواج, لخخكلاً منهما موهبة. الموضوع يتعلق بكيفية استخدام الموهبة و هذا هو ما يجب أن يكون مثالاً يحتذى به. و بنفس الأسلوب, الجسد هو موهبة و عطية من الله و كيفية استخدامه هذا هو ما يجب أن يؤخذ فى الإعتبار لتعرف ما هو “نجس” مما هو “طاهر”.

بالرجوع إلى مرجوعنا, أى لماذا لا تستطيع النساء الإشتراك فى سر التناول, و فى بعض الكنائس الأرثوذكسية غير مسموح لهم حتى بدخول الكنيسة.

جريجورى العظيم (راجع الإقتباس كاملاً فى مقال لارين ص287-8), بابا روما (590-604 م.), قال إن النساء لا يجب أن تُمنع من دخول الكنيسة أو الإشتراك فى الأسرار أثناء طمثهن:

“لا ينبغى أن تُمنع المرأة من الذهاب إلى الكنيسة. ففى النهاية, هى تعانى من ذلك بدون إرادتها. فلا يمكن لومها على ذلك الشئ الفائض الذى تفرزه الطبيعة… و لا يتم منعها أيضاً من التناول من الجسد المقدس أثناء ذلك”

و تجد لارين إنه بحلول العصور الوسطى فإن مبادئ القديس جريجورى قد تم تجاهلها و تم فرض ممارسة منع النساء من الإشتراك فى الخدمات الكنسية و الأسرار و ذلك مستمر حتى اليوم (على الأقل فى الكنائس الأرثوذكسية).

حركة حديثة فى الكنائس الأرثوذكسية

إجتماع لاهوتى للاهوتيين و إكليروس الكنائس الأرثوذكسية الشرقية فى عام 2000 أوصى بالآتى:

“نحن نحثّ الكنيسة بأن تطمئن النساء بأنهن محل ترحيب للتناول من الجسد المقدس فى أى صلاة ليتورجية عندما يكن مستعدات روحياً و طقسياً لذلك, أياً كان ذلك الوقت من الشهر.” (مقال لارين, ص291)

للأسف, على حد علمى, كل الكنائس الأرثوذكسية حول العالم مازلت تمنع النساء من التناول أثناء طمثهن, و بعض الكنائس تطلب من النساء ألا يدخلن الكنيسة لمدة معينة (لمدة 40 يوم) بعد الولادة.

بعض الأديرة الأرثوذكسية حتى اليوم مازالت تزرع فى النساء ذلك الخوف الشديد من عدم الطهارة حتى أن النساء الحائضات غير مسموح لهم بأن يقبّلوا أى أيقونة أو يشعلوا شمعة أمام أيقونة. لا أستطيع التعليق عن مدى سخافة مثل هذه العقلية. إنى أقف فى خوف و ورع أمام مذبح الرب و قديسيه بسبب إثمى و ليس بسبب حالة جسدى الفسيولوجية الطبيعية.

بعض نقاط أخرى تتعلق باللاهوتيات الخاطئة و الفسيولوجيا الخاطئة:

إذاً, لو كانت الأسباب التى تمنع المرأة من التناول أسباب غير لاهوتية, هل هى بسبب احتياطات فسيولوجية ربما؟ لقد سمعت مثل هذه الإجابات من قبل أيضاً. ليس ذلك فسيولوجيا غير صحيحاً فقط, بل و نحن قد انخفضنا بمكانة الله إلى جسمانية و مادية الأشياء. سأشرح فيما هو آت.

إذا تناولت إمرأة من جسد الرب أثناء طمثها أو حتى بدأت طمثها مؤخراً خلال ذلك اليوم, البعض يعتقد أو يتخوف من أن جسد الرب و دمه يخرجان من الجسم من خلال النزيف. فى هذه الحالة أريد أن أقول لهم عودوا و ادرسوا علم الأحياء, لأنه بدنياً ذلك ليس صحيحاً, و أيضاً و هو ما هو أكثر أهمية و عمقاً هل نحدّ من الله إلى كيان مادى نتناوله فى المذبح ثم إلى عناصر تذهب إلى مجرى الدم و يمكن أن تُنزف خارجاً؟ كم هو فكرٌ سخيف هذا. هل نقلل من قيمة سر الإفخارستيا إلى عملية حيوية كدخول العناصر إلى الجسم و وصولها إلى مجرى الدم و اختلاطها بالطبيعة البدنية للإنسان بمثل هذه الحَرفية؟ إذا كانت هذه هى الإجابة, فيجب علينا أن نقول أن الجسد أيضاً يُهضم بالداخل ثم يتم إخراجه مع بقية الطعام الذى نتناوله. كم هو مُحزن و بشع إذا كان هناك من يفكر أن سر الإفخارستيا يعمل بمثل هذه الطريقة. هل هكذا نُضعف مكانة قوة الله المُغيّرة و عمله فى الأسرار؟ لقد قللنا بالله إلى مادية و حَرفية شديدة.

أنا لا أدعو إلى عدم أخذ الحيطة للتناول بأى شكل من الأشكال. أنا فقط أدعو إلى التركيز فى ما نأخذ حذرنا منه. هل نحن أكثر حرص على ألا نُجرح فى يوم الأحد حتى لا ننزف أكثر من إعداد أنفسنا للإشتراك فى السر المقدس و أن نصلى خلال الأسبوع و نكون متطلعين لتناول جسد الرب و دمه؟ هل نحن نسعى و نطلب أن نتغير بفعل هذا السر المقدس, أم نحن ننتبه إلى أن ” نُعَشِّرُ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْنا أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ.” (متى 23-23)؟

ملاحظات ختامية:

المنع من تناول الإفخارستيا يجب أن يكون فقط بسبب الخطيئة و ليس أى سبب آخر, خصوصاً ما يتعلق بالفسيولوجيا الطبيعية للجسم.

أنا لا أستطيع ان أقول أن الروح القدس يغادر المرأة أثناء طمثها الشهرى و لا تعود هيكلاً للرب, فجأةً تُصبح نجسة. فى وقت ما هى طاهرة ثم فى خلال دقيقة هى نجسة. هذه عقلية لاهوتية منفصمة و تتعارض مع مفهوم المسيحية للخلاص.

نحن نُبطل قوة المعمودية و تقديس المسيح لنا إذا كنا مازلنا نؤمن بأن الجسد يتدنس بسبب ما ورد فى الناموس القديم. لقد استعاد المسيح كل شئ و الكل أصبح جديداً فيه.

أنا أختتم بقطعة من مقال فاسّا لارين, و التى أعتقد إنها تتحدث عن نفسها بخصوص هذا الخطأ اللاهوتى الفادح فيما يتعلق بمشكلة الطمث و النجاسة:

“إن نظرة مُقربة لأصول و صفات مفهوم “الطهارة أو النجاسة الطقسية” تكشف لنا عن ظاهرة مُقلقة و غير مسيحية أساساً فى مظهر التقوى الأرثوذكسية. بغض النظر عما إذا كان هذا المفهوم قد دخل إلى ممارسات الكنيسة تحت تأثيرات مباشرة يهودية أو وثنية, فلا مبرر له أو تفسير فى علم الإنسانيات المسيحى و عقيدة الخلاص. المسيحيون الأرثوذكس, رجالاً و نساءاً, تتطهروا فى ماء المعمودية, دُفنوا و أقيموا مع المسيح, الذى أصبح جسدنا و إنسانيتنا, و داس الموت بالموت, و حررنا من خوف الموت. ولكننا مازلنا نحتفظ بممارسة تعكس مخاوف وثنية و ناموسية من العالم المادى. هذا هو السبب أن معتقد “الطهارة او النجاسة الطقسية” ليس مبدئياً مشكلة مجتمعية, وليس أيضاً فى المقام الأول نوع من إقلال من مكانة النساء. إنه بالأحرى إقلال من تجسد ربنا يسوع المسيح و ما تبعه من خلاص” (ص292)

————————————————

دونا رزق هى دارسة و باحثة فى علم اللاهوت لمدة 10 سنوات. حصلت دونا على شهادة البكالريوس من جامعة هاواى فى اللغة الإنجليزية و التعليم كما حصلت على درجة الماجستير(MTS) فى الدراسات اللاهوتية من معهد الصليب المقدس الأرثوذكسى اللاهوتى فى بوسطن, ماساتشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية (2006-2008) تحت رعاية صاحب الغبطة و القداسة الأنبا سرابيون أسقف جنوب كاليفورنيا ثم درست فى إتحاد الخريجين اللاهوتى (GTU) فى بيركلى عن الطقوس الليتورجية فى 2008 ثم إنتقلت لفيينا بالنمسا لتدرس الألمانية حتى يتسنى لها دراسة المزيد عن الليتورجيات الشرقية فى 2009 ثم إنتقلت لأكسفورد بإنجلترا و أكملت الماجستير الثانى لها فى الدراسات المسيحية الشرقية مع الإهتمام باللغات الأرمينية و اليونانية و كذلك التاريخ الأرمينى و التاريخ اليونانى (2010-2012). و قد كانت أطروحة رسالة الماجستير الخاصة بها تركز على كتابات آباء الإسكندرية الأوليين (إكليمنضس, أوريجانوس, أثناسيوس, كيرلس). حالياً, تستعد دونا للإنتهاء من درجة الدكتوراة فى علم اللاهوت فى كينجز كوليدج (كلية الملك) فى لندن. ويهتم بحثها باللاهوت و التاريخ الأرمينى و كذلك دور المرأة فى الكنيسة و الدراسات الليتورجية الشرقية و كذلك آباء الكنيسة. ستبدأ دونا فى تدريس دورة دراسية عن آباء الكنيسة فى سبتمبر 2015 فى كلية القديس كيرلس الأرثوذكسية على الإنترنت(http://stcyrilsociety.org) وتعتبر دونا أن شغفها الرئيسى ينصب على القراءة و الكتابة و التواصل مع الآخرين من خلال دراساتها و خدمتها فى الكنيسة القبطية.